هَل غادَرَ الشُعَراءُ مِن مُتَرَدَّمِ

عَنْتَرة بن شداد

هَــل غــادَرَ الــشُعَراءُ مِــن مُــتَرَدَّمِ

أَم هَــل عَــرَفتَ الــدارَ بَعدَ تَوَهُّمِ

يـــا دارَ عَــبــلَةَ بِــالــجَواءِ تَــكَــلَّمي

وَعَــمي صَــباحاً دارَ عَــبلَةَ وَاِسلَمي

فَــوَقَــفــتُ فــيــها نــاقَــتي وَكَــأَنَّــها

فَـــدَنٌ لِأَقــضِــيَ حــاجَــةَ الــمُتَلَوِّمِ

وَتَــحُــلُّ عَــبــلَةُ بِــالــجَواءِ وَأَهــلُــنا

بِــــالــحَــزنِ فَــالــصَــمّانِ فَــالــمُــتَثَلَّمِ

حُــيِّيتَ مِــن طَــلَلٍ تَــقادَمَ عَهدُهُ

أَقـــوى وَأَقــفَــرَ بَــعــدَ أُمِّ الــهَــيثَمِ

حَــلَّت بِأَرضِ الزائِرينَ فَأَصبَحَت

عَــسِــراً عَــلَيَّ طِــلابُكِ اِبــنَةَ مَــخرَمِ

عُــلِّــقتُها عَــرَضــاً وَأَقــتُــلُ قَــومَــها

زَعــمــاً لَــعَمرُ أَبــيكَ لَــيسَ بِــمَزعَمِ

وَلَــقَــد نَــزَلــتِ فَــلا تَــظُنّي غَــيرَهُ

مِــــنّــي بِــمَــنــزِلَةِ الــمُــحَبِّ الــمُــكرَمِ

كَــيفَ الــمَزارُ وَقَــد تَــرَبَّعَ أَهــلُها

بِــعُــنَــيــزَتَينِ وَأَهــــلُــنــا بِــالــغَــيــلَمِ

إِن كُــنتِ أَزمَــعتِ الــفِراقَ فَــإِنَّماْ

زُمَّـــت رِكــابُــكُمُ بِــلَــيلٍ مُــظــلِمِ

مـــا راعَــنــي إِلّا حَــمــولَةُ أَهــلِــها

وَســطَ الــدِيارِ تَسَفُّ حَبَّ الخِمخِمِ

فــيــها اِثــنَــتانِ وَأَربَــعــونَ حَــلوبَةً

ســـوداً كَــخافِيَةِ الــغُرابِ الأَســحَمِ

إِذ تَــستَبيكَ بِــذي غُــروبٍ واضِحٍ

عَــــذبٍ مُــقَــبَّلُهُ لَــذيــذِ الــمَــطعَمِ

وَكَــــأَنَّ فـــارَةَ تــاجِــرٍ بِــقَــسيمَةٍ

سَــبَقَت عَــوارِضَها إِلَيكَ مِنَ الفَمِ

أَو رَوضَـــةً أُنُــفــاً تَــضَــمَّنَ نَــبــتَها

غَــيثٌ قَــليلُ الــدِمنِ لَــيسَ بِــمَعلَمِ

جـــادَت عَــلــيهِ كُـــلُّ بِــكرٍ حُــرَّةٍ

فَــتَــرَكنَ كُـــلَّ قَـــرارَةٍ كَــالدِرهَمِ

سَــــحّــاً وَتَــســكــاباً فَــكُــلَّ عَــشِــيَّةٍ

يَــجــري عَــلَــيها الــمــاءُ لَــم يَــتَصَرَّمِ

وَخَــلا الــذُبابُ بِــها فَلَيسَ بِبارِحٍ

غَـــرِداً كَــفِعلِ الــشارِبِ الــمُتَرَنِّمِ

هَــزِجــاً يَــحُــكُّ ذِراعَـــهُ بِــذِراعِــهِ

قَــدحَ الــمُكِبِّ عَلى الزِنادِ الأَجذَمِ

تُــمسي وَتُــصبِحُ فَــوقَ ظَهرِ حَشِيَّةٍ

وَأَبــيتُ فَــوقَ سَــراةِ أَدهَمَ مُلجَمِ

وَحَــشِيَّتي سَــرجٌ عَلى عَبلِ الشَوى

نَــــهــدٍ مَــراكِــلُــهُ نَــبــيلِ الــمَــحزِمِ

هَــــل تُــبــلِغَنّي دارَهـــا شَــدَنِــيَّةٌ

لُــعِنَت بِــمَحرومِ الــشَرابِ مُــصَرَّمِ

خَــطّــارَةٌ غِـــبَّ الــسُــرى زَيّــافَةٌ

تَــطِسُ الإِكــامَ بِــوَخذِ خُفٍّ ميثَمِ

وَكَــأَنَّــما تَــطِــسُ الإِكـــامَ عَــشِيَّةً

بِــقَــريبِ بَــيــنَ الــمَــنسِمَينِ مُــصَلَّمِ

تَــأوي لَــهُ قُــلُصُ النَعامِ كَما أَوَت

حِـــزَقٌ يَــمــانِيَةٌ لِأَعــجَــمَ طِــمــطِمِ

يَــتــبَــعنَ قُــــلَّــةَ رَأسِــــهِ وَكَــأَنَّــهُ

حِـــدجٌ عَــلــى نَــعــشٍ لَــهُنَّ مُــخَيَّمِ

صَــعلٍ يَــعودُ بِــذي العُشَيرَةِ بَيضَهُ

كَــالعَبدِ ذي الفَروِ الطَويلِ الأَصلَمِ

شَــرِبَت بِماءِ الدُحرُضَينِ فَأَصبَحَت

زَوراءَ تَــنفِرُ عَــن حِــياضِ الــدَيلَمِ

وَكَــأَنَّــما تَــنــأى بِــجانِبِ دَفَّــها ال

وَحــشِيِّ مِــن هَــزِجِ الــعَشِيِّ مُؤَوَّمِ

هِـــرٍ جَــنــيبٍ كُــلَّما عَــطَفَت لَــهُ

غَــضَــبى اِتَّــقاها بِــاليَدَينِ وَبِــالفَمِ

بَــرَكَت عَــلى جَــنبِ الــرِداعِ كَأَنَّم

بَــرَكَت عَــلى قَــصَبٍ أَجَشَّ مُهَضَّمِ

وَكـــأَنَّ رُبّـــاً أَو كُــحَــيلاً مُــعــقَد

حَــشَّ الــوَقودُ بِــهِ جَــوانِبَ قُــمقُمِ

يَــنباعُ مِن ذِفرى غَضوبٍ جَسرَةٍ

زَيّــافَــةٍ مِــثــلَ الــفَــنيقِ الــمُــكدَمِ

إِن تُــغــدِفي دونـــي الــقِناعَ فَــإِنَّني

طَـــبٌّ بِــأَخــذِ الــفارِسِ الــمُستَلئِمِ

أَثــنــي عَــلَــيَّ بِــمــا عَــلِــمتِ فَــإِنَّني

سَــــمــحٌ مُــخــالَــقَتي إِذا لَـــم أُظــلَــمِ

وَإِذا ظُــلِــمتُ فَــإِنَّ ظُــلمِيَ بــاسِلٌ

مُــــرٌّ مَــذاقَــتَهُ كَــطَــعمِ الــعَــلقَمِ

وَلَــقَد شَــرِبتُ مِــنَ الــمُدامَةِ بَعدَما

رَكَـــدَ الــهَواجِرُ بِــالمَشوفِ الــمُعلَمِ

بِــزُجــاجَةٍ صَــفــراءَ ذاتِ أَسِـــرَّةٍ

قُــرِنَت بِــأَزهَرَ فــي الــشَمالِ مُفَدَّمِ

فَـــإِذا شَــرِبــتُ فَــإِنَّــني مُــستَهلِكٌ

مــالــي وَعِــرضــي وافِــرٌ لَــم يُــكلَمِ

وَإِذا صَــحَوتُ فَــما أُقَــصِّرُ عَن نَدىً

وَكَــــمــا عَــلِــمتِ شَــمــائِلي وَتَــكَــرُّمي

وَحَــلــيلِ غــانِــيَةٍ تَــرَكــتُ مُــجَدَّل

تَــمــكو فَــريــصَتُهُ كَــشَدقِ الأَعــلَمِ

سَــبَقَت يَــدايَ لَــهُ بِــعاجِلِ طَعنَةٍ

وَرَشـــاشِ نــافِــذَةٍ كَــلَونِ الــعَندَمِ

هَــلّا سَــأَلتِ الــخَيلَ يا اِبنَةَ مالِكٍ

إِن كُــنتِ جــاهِلَةً بِــما لَــم تَــعلَمي

إِذ لا أَزالُ عَــلــى رِحــالَــةِ ســابِــحٍ

نَــــهــدٍ تَــــعــاوَرُهُ الــكُــماةُ مُــكَــلَّمِ

طَــــوراً يُــجَــرَّدُ لِــلــطِعانِ وَتـــارَةً

يَــأوي إِلــى حَصدِ القَسِيِّ عَرَمرَمِ

يُــخبِركِ مَــن شَــهِدَ الــوَقيعَةَ أَنَّــني

أَغــشى الــوَغى وَأَعِــفُّ عِندَ المَغنَمِ

وَمُــــدَجَّــجٍ كَــــرِهَ الــكُــماةُ نِــزالَــهُ

لا مُــمــعِــنٍ هَــرَبــاً وَلا مُــســتَسلِمِ

جــادَت لَــهُ كَــفّي بِــعاجِلِ طَــعنَةٍ

بِــمُثَقَّفٍ صَــدقِ الــكُعوبِ مُــقَوَّمِ

فَــشَــكَكتُ بِــالرُمحِ الأَصَــمِّ ثِــيابَهُ

لَــيسَ الــكَريمُ عَــلى الــقَنا بِــمُحَرَّمِ

فَــتَــرَكتُهُ جَـــزَرَ الــسِــباعِ يَــنُــشنَهُ

يَــقــضِمنَ حُــسنَ بِــنانِهِ وَالــمِعصَمِ

وَمِــشَكِّ ســابِغَةٍ هَــتَكتُ فُــروجَها

بِــالسَيفِ عَن حامي الحَقيقَةِ مُعلِمِ

رَبِـــذٍ يَـــداهُ بِــالــقِداحِ إِذا شَــتــا

هَــتّــاكِ غــايــاتِ الــتِــجارِ مُــلَــوَّمِ

لَــمّــا رَآنـــي قَـــد نَــزَلــتُ أُريــدُهُ

أَبــــدى نَــواجِــذَهُ لِــغَــيرِ تَــبَــسُّمِ

عَــهــدي بِـــهِ مَـــدَّ الــنَهارِ كَــأَنَّما

خُــضِبَ الــبَنانُ وَرَأسُــهُ بِــالعِظلِمِ

فَــطَــعَــنتُهُ بِــالــرُمــحِ ثُــــمَّ عَــلَــوتُهُ

بِــمُــهَنَّدٍ صــافــي الــحَــديدَةِ مِــخــذَمِ

بَــطَــلٍ كَـــأَنَّ ثِــيــابَهُ فــي سَــرحَةٍ

يُــحذى نِــعالَ الــسِبتِ لَيسَ بِتَوأَمِ

يــا شــاةَ مــا قَــنَصٍ لِــمَن حَلَّت لَهُ

حَــرُمَــت عَــلَــيَّ وَلَــيــتَها لَــم تَــحرُمِ

فَــبَعَثتُ جــارِيَتي فَقُلتُ لَها اِذهَبي

فَــتَــجَسَّسي أَخــبارَها لِــيَ وَاِعــلَمي

قــالَت رَأَيــتُ مِــنَ الأَعادي غِرَّةً

وَالــشــاةُ مُــمــكِنَةٌ لِــمَن هُــوَ مُــرتَمِ

وَكَــأَنَّــما اِلــتَــفَتَت بِــجــيدِ جَــدايَةٍ

رَشـــإٍ مِـــنَ الــغِــزلانِ حُــرٍّ أَرثَــمِ

نِــبِّئتُ عَــمرواً غَــيرَ شــاكِرِ نِــعمَتي

وَالــكُــفرُ مَــخــبَثَةٌ لَــنَــفسِ الــمُنعِمِ

وَلَقَد حَفِظتُ وَصاةَ عَمّي بِالضُحى

إِذ تَــقلِصُ الشَفَتانِ عَن وَضَحِ الفَمِ

فــي حَــومَةِ الحَربِ الَّتي لا تَشتَكي

غَــمَــراتِها الأَبــطــالُ غَــيــرَ تَــغَمغُمِ

إِذ يَــتَّــقونَ بِــيَ الأَسِــنَّةَ لَــم أَخِــم

عَــنــها وَلَــكِــنّي تَــضــايَقَ مُــقدَمي

لَــمّــا رَأَيــتُ الــقَومَ أَقــبَلَ جَــمعُهُم

يَــتَــذامَرونَ كَــرَرتُ غَــيرَ مُــذَمَّمِ

يَدعونَ عَنتَرَ وَالرِماحُ كَأَنَّها

أَشــطــانُ بِــئرٍ فــي لَــبانِ الأَدهَــمِ

ما زِلتُ أَرميهِم بِثُغرَةِ نَحرِهِ

وَلَــبــانِــهِ حَــتّــى تَــسَــربَلَ بِــالــدَمِ

فَـــاِزوَرَّ مِـــن وَقـــعِ الــقَنا بِــلَبانِهِ

وَشَــــكــا إِلَـــيَّ بِــعَــبرَةٍ وَتَــحَــمحُمِ

لَــو كانَ يَدري ما المُحاوَرَةُ اِشتَكى

وَلَــكــانَ لَــو عَــلِمَ الــكَلامَ مُــكَلِّمي

وَلَــقَد شَفى نَفسي وَأَذهَبَ سُقمَها

قــيلُ الــفَوارِسِ وَيــكَ عَنتَرَ أَقدِمِ

وَالــخَــيلُ تَــقتَحِمُ الــخَبارَ عَــوابِساً

مِــن بَــينِ شَــيظَمَةٍ وَآخَــرَ شَــيظَمِ

ذُلُــلٌ رِكــابي حَيثُ شِئتُ مُشايِعي

لُــــبّــي وَأَحــــفِــزُهُ بِــأَمــرٍ مُــبــرَمِ

وَلَــقَد خَشيتُ بِأَن أَموتَ وَلَم تَدُر

لِــلحَربِ دائِــرَةٌ عَــلى اِبــنَي ضَــمضَمِ

الــشــاتِمَي عِــرضــي وَلَـــم أَشــتِمهُم

وَالــنــاذِرَينِ إِذا لَـــم اَلــقَهُما دَمــي

إِن يَــفــعَلا فَــلَــقَد تَــرَكتُ أَبــاهُم

جَــزَرَ الــسِباعِ وَكُــلِّ نَــسرٍ قَــشعَمِ


لـ عَنْتَرة بن شداد

عنترة بن شدادهَل غادَرَ الشُعَراءُ مِن مُتَرَدَّمِ
Comments (0)
Add Comment