لَولا الحَياءُ لَعادَني اِستِعبارُ

جَرير

لَولا الحَياءُ لَعادَني اِستِعبارُ
وَلَزُرتُ قَبرَكِ وَالحَبيبُ يُزارُ
وَلَقَد نَظَرتُ وَما تَمَتُّعُ نَظرَةٍ
في اللَحدِ حَيثُ تَمَكَّنَ المِحفارُ
فَجَزاكِ رَبُّكِ في عَشيرِكِ نَظرَةً
وَسَقى صَداكِ مُجَلجِلٌ مِدرارُ
وَلَّهتِ قَلبي إِذ عَلَتني كَبرَةٌ
وَذَوُو التَمائِمِ مِن بَنيكِ صِغارُ
أَرعى النُجومَ وَقَد مَضَت غَورِيَّةً
عُصَبُ النُجومِ كَأَنَّهُنَّ صِوارُ
نِعمَ القَرينُ وَكُنتِ عِلقَ مَضِنَّةٍ
وارى بِنَعفِ بُلَيَّةَ الأَحجارُ
عَمِرَت مُكَرَّمَةَ المَساكِ وَفارَقَت
ما مَسَّها صَلَفٌ وَلا إِقتارُ
فَسَقى صَدى جَدَثٍ بِبُرقَةِ ضاحِكٍ
هَزِمٌ أَجَشُّ وَديمَةٌ مِدرارُ
هَزِمٌ أَجَشُّ إِذا اِستَحارَ بِبَلدَةٍ
فَكَأَنَّما بِجِوائِها الأَنهارُ
مُتَراكِبٌ زَجِلٌ يُضيءُ وَميضُهُ
كَالبُلقِ تَحتَ بُطونِها الأَمهارُ
كانَت مُكَرَّمَةَ العَشيرِ وَلَم يَكُن
يُخشى غَوائِلَ أُمِّ حَزرَةَ جارُ
وَلَقَد أَراكِ كُسيتِ أَجمَلَ مَنظَرٍ
وَمَعَ الجَمالِ سَكينَةٌ وَوَقارُ
وَالريحُ طَيِّبَةٌ إِذا اِستَقبَلتِها
وَالعِرضُ لا دَنِسٌ وَلا خَوّارُ
وَإِذا سَرَيتُ رَأَيتُ نارَكِ نَوَّرَت
وَجهاً أَغَرَّ يَزينُهُ الإِسفارُ
صَلّى المَلائِكَةُ الَّذينَ تُخُيُّروا
وَالصالِحونَ عَلَيكِ وَالأَبرارُ
وَعَلَيكِ مِن صَلَواتِ رَبِّكِ كُلَّما
نَصِبَ الحَجيجُ مُلَبِّدينَ وَغاروا
يا نَظرَةً لَكِ يَومَ هاجَت عَبرَةً
مِن أُمِّ حَزرَةَ بِالنُمَيرَةِ دارُ
تُحيِي الرَوامِسُ رَبعَها فَتُجِدُّهُ
بَعدَ البِلى وَتُميتُهُ الأَمطارُ
وَكَأَنَّ مَنزِلَةً لَها بِجُلاجِلٍ
وَحيُ الزَبورِ تُجِدُّهُ الأَحبارُ
لا تُكثِرَنَّ إِذا جَعَلتَ تَلومُني
لا يَذهَبَنَّ بِحِلمِكَ الإِكثارُ
كانَ الخَليطُ هُمُ الخَليطَ فَأَصبَحوا
مُتَبَدِّلينَ وَبِالدِيارِ دِيارُ
لا يُلبِثُ القُرَناءَ أَن يَتَفَرَّقوا
لَيلٌ يَكُرُّ عَلَيهِمُ وَنَهارُ
أَفَأُمَّ حَزرَةَ يا فَرَزدَقُ عِبتُم
غَضِبَ المَليكُ عَلَيكُمُ القَهّارُ
كانَت إِذا هَجَرَ الحَليلُ فِراشَها
خُزِنَ الحَديثُ وَعَفَّتِ الأَسرارُ
لَيسَت كَأُمِّكَ إِذ يَعَضُّ بِقُرطِها
قَينٌ وَلَيسَ عَلى القُرونِ خِمارُ
سَنُثيرُ قَينَكُمُ وَلا يوفى بِها
قَينٌ بِقارِعَةِ المِقَرِّ مُثارُ
وُجِدَ الكَتيفُ ذَخيرَةً في قَبرِهِ
وَالكَلبَتانِ جُمِعنَ وَالميشارُ
يَبكي صَداهُ إِذا تَهَزَّمَ مِرجَلٌ
أَو إِن تَثَلَّمَ بُرمَةٌ أَعشارُ
رَجَفَ المِقَرُّ وَصاحَ في شَرقِيِّهِ
قَينٌ عَلَيهِ دَواخِنٌ وَشَرارُ
قَتَلَت أَباكَ بَنو فُقَيمٍ عَنوَةً
إِذ جُرَّ لَيسَ عَلى أَبيكَ إِزارُ
عَقَروا رَواحِلَهُ فَلَيسَ بِقَتلِهِ
قَتلٌ وَلَيسَ بِعَقرِهِنَّ عِقارُ
حَدراءُ أَنكَرَتِ القُيونَ وَريحَهُم
وَالحُرُّ يَمنَعُ ضَيمَهُ الإِنكارُ
لَمّا رَأَت صَدَأَ الحَديدِ بِجِلدِهِ
فَاللَونُ أَورَقُ وَالبَنانُ قِصارُ
قالَ الفَرَزدَقُ رَقِّعي أَكيارَنا
قالَت وَكَيفَ تُرَقَّعُ الأَكيارُ
رَقِّع مَتاعَكَ إِنَّ جَدّي خالِدٌ
وَالقَينُ جَدُّكَ لَم تَلِدكَ نِزارُ
وَسَمِعتُها اِتَّصَلَت بِذُهلٍ إِنَّهُم
ظَلَموا بِصِهرِهِمُ القُيونَ وَجاروا
دَعَتِ المُصَوِّرَ دَعوَةً مَسموعَةً
وَمَعَ الدُعاءِ تَضَرُّعٌ وَحِذارُ
عاذَت بِرَبِّكَ أَن يَكونَ قَرينُها
قَيناً أَحَمَّ لِفَسوِهِ إِعصارُ
أَوصَت بِلائِمَةٍ لِزيقٍ وَاِبنِهِ
إِنَّ الكَريمَ تَشينُهُ الأَصهارُ
إِنَّ الفَضيحَةَ لَو بُليتِ بِقَينِهِم
وَمَعَ الفَضيحَةَ غُربَةٌ وَضِرارُ
هَلّا الزُبَيرَ مَنَعتَ يَومَ تَشَمَّسَت
حَربٌ تَضَرَّمُ نارُها مِذكارُ
وَدَعا الزُبَيرُ فَما تَحَرَّكَتِ الحُبى
لَو سُمتَهُم جُحَفَ الخَزيرِ لَثاروا
غَرّوا بِعَقدِهِمُ الزُبَيرَ كَأَنَّهُم
أَثوارُ مَحرَثَةٍ لَهُنَّ خُوارُ
وَالصِمَّتَينِ أَجَرتُمُ فَغَدَرتُمُ
وَاِبنُ الأَصَمِّ بِحَبلِ بَيبَةَ جارُ
أَخزاكَ رَهطُ اِبنِ الأَشَدِّ فَأَصبَحَت
أَكبادُ قَومِكَ ما لَهُنَّ مَرارُ
باتَت تُكَلَّتُ ما عَلِمتَ وَلَم تَكُن
عونٌ تُكَلَّفُهُ وَلا أَبكارُ
سَبّوا الحِمارَ فَسَوفَ أَهجو نِسوَةً
لِلكيرِ وَسطَ بُيوتِهِنَّ أُوارُ
إِنَّ الفَرَزدَقَ لَن يُزاوِلَ لُؤمَهُ
حَتّى يَزولَ عَنِ الطَريقِ صِرارُ
فيمَ المِراءُ وَقَد سَبَقتُ مُجاشِعاً
سَبقاً تَقَطَّعُ دونَهُ الأَبصارُ
قَضَتِ الغَطارِفُ مِن قُرَيشٍ فَاِعتَرِف
يا اِبنَ القُيونِ عَلَيكَ وَالأَنصارُ
هَل في مِئينَ وَفي مِئينَ سَبَقتُها
مَدَّ الأَعِنَّةِ غايَةٌ وَحِضارُ
كَذَبَ الفَرَزدَقُ إِنَّ عودَ مُجاشِعٍ
قَصِفٌ وَإِنَّ صَليبَهُم خَوّارُ
وَإِذا بَطِنتَ فَأَنتَ يا اِبنَ مُجاشِعٍ
عِندَ الهَوانِ جُنادِفٌ نَثّارُ
سَعدٌ أَبَوا لَكَ أَن تَفي بِجِوارِهِم
أَو أَن يَفي لَكَ بِالجِوارِ جِوارُ
قَد طالَ قَرعُكَ قَبلَ ذاكَ صَفاتَنا
حَتّى صَمِمتَ وَفُلِّلَ المِنقارُ
يا اِبنَ القُيونِ وَطالَما جَرَّبتَني
وَالنَزعُ حَيثُ أُمِرَّتِ الأَوتارُ
ما في مُعاوَدَتي الفَرَزدَقَ فَاِعلَموا
لِمُجاشِعٍ ظَفَرٌ وَلا اِستِبشارُ
إِنَّ القَصائِدَ قَد جَدَعنَ مُجاشِعاً
بِالسُمِّ يُلحَمُ نَسجُها وَيُنارُ
وَلَقوا عَواصِيَ قَد عَيِيتَ بِنَقضِها
وَلَقَد نُقِضتَ فَما بِكَ اِستِمرارُ
قَد كانَ قَومُكَ يَحسَبونَكَ شاعِراً
حَتّى غَرِقتَ وَضَمَّكَ التَيّارُ
نَزَعَ الفَرَزدَقُ ما يَسُرُّ مُجاشِعاً
مِنهُ مُراهَنَةٌ وَلا مِشوارُ
قَصُرَت يَداكَ عَنِ السَماءِ فَلَم يَكُن
في الأَرضِ لِلشَجَرِ الخَبيثِ قَرارُ
أَثنَت نَوارُ عَلى الفَرَزدَقِ خَزيَةً
صَدَقَت وَما كَذَبَت عَلَيكَ نَوارُ
إِنَّ الفَرَزدَقَ لا يَزالُ مُقَنَّعاً
وَإِلَيهِ بِالعَمَلِ الخَبيثِ يُشارُ
لا يَخفَيَنَّ عَلَيكَ أَنَّ مُجاشِعاً
لَو يُنفَخونَ مِنَ الخُؤورِ لَطاروا
قَد يُؤسَرونَ فَما يُفَكَّ أَسيرُهُم
وَيُقَتَّلونَ فَتَسلَمُ الأَوتارُ
وَيُفايِشونَكَ وَالعِظامُ ضَعيفَةٌ
وَالمُخُّ مُمتَخَرُ الهُنانَةِ رارُ
نَظَروا إِلَيكَ وَقَد تَقَلَّبَ هامُهُم
نَظَرَ الضِباعُ أَصابَهُنَّ دُوارُ
قُرِنَ الفَرَزدَقُ وَالبَعيثُ وَأُمُّهُ
وَأَبو الفَرَزدَقِ قُبِّحَ الإِستارُ
أَضحى يُرَمِّزُ حاجِبَيهِ كَأَنَّهُ
ذيخٌ لَهُ بِقَصيمَتَينِ وِجارُ
لَيسَت لِقَومي بِالكَتيفِ تِجارَةٌ
لَكِنَّ قَومي بِالطِعانِ تِجارُ
يَحمي فَوارِسيَ الَّذينَ لِخَيلِهِم
بِالثَغرِ قَد عَلِمَ العَدُوُّ مُغارُ
تَدمى شَكائِمُها وَخَيلُ مُجاشِعٍ
لَم يَندَ مِن عَرَقٍ لَهُنَّ عِذارُ
إِنّا وَقَينُكُمُ يُرَقِّعُ كيرَهُ
سِرنا لِنَغتَصِبَ المُلوكَ وَساروا
عَضَّت سَلاسِلُنا عَلى اِبنَي مُنذِرٍ
حَتّى أَقَرَّ بِحُكمِنا الجَبّارُ
وَاِبنَي هُجَيمَةَ قَد تَرَكنا عَنوَةً
لِاِبنَي هُجَيمَةَ في الرِماحِ خُوارُ
وَرَئيسُ مَملَكَةٍ وَطِئنَ جَبينَهُ
يَغشى حَواجِبَهُ دَمٌ وَغُبارُ
نَحمي مُخاطَرَةً عَلى أَحسابِنا
كَرُمَ الحُماةُ وَعَزَّتِ الأَخطارُ
وَإِذا النِساءُ خَرَجنَ غَيرَ تَبَرُّزٍ
غِرنا وَعِندَ خُروجِهِنَّ نَغارُ
وَمُجاشِعٌ فَضَحوا فَوارِسَ مالِكٍ
فَرَبا الخَزيرُ وَضُيِّعَ الأَدبارُ
أَغمامَ لَو شَهِدَ الوَقيطَ فَوارِسي
ما قيدَ يُعتَلُ عَثجَلٌ وَضِرارُ
يا اِبنَ القُيونِ وَكَيفَ تَطلُبُ مَجدَنا
وَعَلَيكَ مِن سِمَةِ القُيونِ نِجارُ

جرير
Comments (0)
Add Comment