حكي أن لبؤة كانت ساكنة بغابة وبجوارها غزال وقرد قد ألفت جوارهما واستحسنت عشرتهما.
وكان لتلك اللبؤة شبل صغير قد شغفت به حباً وقرت به عيناً. وطابت به قلباً. وكان لجارها الغزال أولاد صغار.
وكانت اللبؤة تذهب كل يوم تبتغي قوتاً لشبلها من النبات وصغار الحيوان. فتمر في طريقها على أولاد الغزال وهن يلعبن بباب حجرهن.
فحدثت نفسها يوماً باقتناص واحد فتجعله قوت ذلك اليوم وتستريح فيه من الذهاب. ثم أقلعت عن هذا العزم لحرمة الجوار ثم عاودها الشره ثانياً مع ما تجد من القوة والعظم. وأكد ذلك ضعف الغزال واستلامه لأمر اللبؤة. فأخذت ظبياً منهم ومضت فلما علم الغزال داخله الحزن والقلق ولم يقدر على إظهار ذلك وشكا لجاره القرد.
فقال له: هون عليك فلعلها تقلع عن هذا ونحن لا نستطيع مكاشفتها ولعلي أن أذكرها عاقبة العدوان وحرمة الجيران.
فلما كان الغد أخذت ظبياً ثانياً فلقيها القرد في طريقها فسلم عليها وحياها وقال لها: إني لا آمن عليك عاقبة البغي وإساءة الجوار. فقالت له: وهل اقتناصي لأولاد الغزال. إلا كاقتناصي من أطراف الجبال. وما أنا تاركة قوتي وقد ساقه القدر إلى باب بيتي.
فقال لها القرد: هكذا اغتر الفيل بعظيم جثته. ووفور قوته فبحث عن حتفه بظلفه. وأوبقه البغي رغم أنفه.
فقالت اللبؤة: كيف كان ذلك.
قال القرد: ذكروا أن قنبرة كان لها عش فباضت وفرخت فيه وكان في نواحي تلك الأرض فيل وكان له مشرب يتردد إليه. وكان يمر في بعض الأيام على عش القنبرة. ففي ذات يوم أراد مشربه فعمد إلى ذلك العش ووطئه وهشم ركنه. وأتلف بيضها وأهلك فراخها. فلما نظرت القنبرة إلى ما حل بعشها ساءها ذلك وعلمت أنه من الفيل.
طارت حتى وقعت على رأسه باكية وقالت له: أيها الملك ما الذي حملك على أن وطئت عشي وهشمت بيضي وقتلت أفراخي وإننا في جوارك. أفعلت ذلك استضعافاً بحالي وقلة مبالاة بأمري. قال الفيل: هو كذلك فانصرفت القنبرة إلى جماعة الطيور فشكت إليهم ما نالها من الفيل فقالت لها الطيور: وما عسانا أن نبلغ من الفيل ونحن طيور.
فقالت للعقاعق والغربان: إني أريد منكم أن تسيروا معي إليه فتفقؤوا عينيه. فأنا بعد ذلك أحتال عليه بحيلة أخرى.
فأجابوها إلى ذلك ومضوا إلى الفيل. ولم يزالوا به يتجاذبونه بينهم وينقرون عينيه إلى أن فقؤوهما وبقي لا يهتدي إلى طريق مطعمه ولا مشربه. فلما علمت ذلك جاءت إلى نهر فيه ضفادع فشكت ما نالها من الفيل. فقالت الضفادع: ما حيلتنا مع الفيل ولسنا كفأه وأين نبلغ منه. قالت القنبرة: أحب منكن أن تذهبن معي إلى وهدة بالقرب منه فتقفن تضججن بها. فإذا سمع أصواتكن لم يشك أن بها ماء فيكب نفسه فيها. فأجابها الضفادع إلى ذلك فلما سمع الفيل أصواتهن في قعر الحفرة توهم أن بهاء ماء. وكان على جهد من العطش فجاء مكباً على طلب الماء فسقط في الوهدة ولم يجد مخرجاً منها.
فجاءت القنبرة ترفرف على رأسه وقالت له: أيها المغتر بقوته الصائل على ضعفي كيف رأيت عظيم حيلتي مع صغر جثتي. وبلادة فهمك مع كبر جسمك. وكيف رأيت عاقبة البغي والعدوان. ومسالمة الزمان.
فلم يجد الفيل مسلكاً لجوابها. ولا طريقاً لخطابها.