الصمة القشيري –
خليلي عوجا مِنكُم اليَومَ أودعا
نحيِّي رسوما بالقُبَيبَةِ بلقعا
أَرَبَّت بِها الأَرواحُ حَتّى تَنَسَّفَت
مَعارِفُها إِلّا الصَفيحَ المُوَضَّعا
وَغَيرَ ثَلاثٍ في الدِيارِ كَأَنَّها
ثَلاثُ حَماماةٍ تَقابَلنَ وُقَّعا
أَمِن أَجلِ دارِ بِالرَقاشَينِ أَعصَفَت
عَلَيها رِياحُ الصَيفِ بُدءً وَرُجَّعا
بَكَت عَينُك اليُسرى فَلَمّا زَجَرتَها
عَنِ الجَهلِ بَعدَ الحِلمِ أَسبَلَتا مَعا
وَلَم أَرَ مِثلَ العامِريَّةِ قَبلَها
وَلا بَعدَها يَومَ إِرتَحَلنا مُوَدِّعا
تُريكَ غَداةَ البَينِ مُقلَةَ شادِن
وَجيد غَزالٍ في القَلائِدِ أَتلَعا
وَما أمُّ أَحوى الجُدَّتَينِ خَلالَها
أراكٌ مِنَ الأعرافِ أَجنى وَأَينَعا
غَدَت مِن عَلَيهِ تَنغُض الطَلَّ بَعدَما
رَأت حاجِب الشَمسِ إِستَوى وَتَرَفَّعا
بِأحسَن مِن أمِّ المُحَيّا فُجاءَةَ
إذا جيدَها مِن كِفَّةِ السِترِ أَطلَعا
ولمّا تَناهَبنا سِقاطَ حَديثِها
غِشاشا ولان الطرفُ مِنها فَأَطمعا
فَرَشَّت بِقَولٍ كادَ يُشفى مِنَ الجَوى
تَلُمُّ بِهِ أَكبادَنا أن تَصَدَّعا
كَما رَشَفَ الصادي وَقائِعَ مُزنَةَ
رَشاشٍ تَوَلّى صَوبُها حينَ أَقلَعا
شَكَوتُ إِلَيها ضَبثَةَ الحَيِّ بِالحَشا
وَخَشيَةَ شَعب الحَيِّ أَن يَتَوَزَّعا
فَما كَلَّمَتني غَيرَ رَجعٍ وَإِنَّما
تَرَقرَقَت العَينانِ مِنهاَ لِتَدمَعا
كَأَنَّكَ بِدَع لَم تَرَ البَينَ قَلبَها
وَلَم تَكُ بِالآلافِ قَبلُ مُفَجَّعا
فَلَيتَ جِمالَ الحَيِّ يَومَ تَرحَلوا
بِذي سَلَمِ أَمسَت مَزاحيفَ ظُلّعا
فَيُصبِحنَ لايُحسِنَّ مَشيا بِراكِب
وَلا السَيرَ في نَجدِ وَإِن كانَ مَهيَعا
أَتَجزَع وَالحَيان لَم يَتَفَرَّقا
فَكَيفَ إِذا داعى التَفَرُّق أَسمَعا
فَرحت ولو أَسمَعتُ مابي مِن الجَوى
رَذِيَّ قِطارٍ حَنَّ شَوقاً وَرَجَّعا
أَلا يا غُرابي بَيتِها لاتَرَفَّعا
وَطيرا جَميعاً بِالهَوى وَقَعا مَعا
أَتَبكي عَلى رَيّا وَنَفسُكَ باعَدَت
مَزارَكَ مِن رَيّا وَشَعباكَما مَعا
فَما حَسنٌ أَن تَأتي الأَمرَ طائِعاً
وَتَجزَع أِن دَعى الصَبابَة أَسمَعا
كَأَنَّكَ لَم تَشهَدَ وَداعَ مُفارِقٍ
وَلَم تَرَ شَعبَي صاحِبَينِ تَقَطَّعا
تَحَمَّلَ أَهلي مِن قَنينَ وَغادَروا
بِهِ أَهلَ لَيلى حينَ جيدَ وَأَمرَعا
أَلا خَليلَيَّ اللَذَينِ تَواصَيا
بِلَومي إِلّا أَن أُطيع وَأَضرَعا
فَإنّي وَجَدتُ اللَومَ لايُذهِبُ الهَوى
وَلَكِن وَجَدتُ اليَأس أَجدى وَأَنفَعا
قِفا إنَّهُ لابُدَّ مِن رَجعِ نَظرَةٍ
مُصَعَّدَةٍ شَتى بِها القَومُ أَو مَعا
لِمُغتَصِبٍ قَد عَزَّهُ القَومُ أَمرَهُ
يُسِرُّ حَياءً عَبرَةً أَن تَطَلَّعا
تَهيجُ لَهُ الأَحزانَ وَالذِكرَ كُلَّما
تَرَنَّمَ أَو أَوفى مِنَ الأَرضِ مَيفَعا
قِفا وَدِّعا نَجدا وَمَن هَلَّ بِالحِمى
وَقَلَّ لِنَجدِ عِندَنا أَن يُوَدَّعا
بِنَفسيَ تِلكَ الأَرضُ ما أَطيَبَ الرُبا
وَما أَحسَنَ المُصطافَ وَالمُتَرَبَّعا
وَأَذكُرُ أَيّامَ الحِمى ثُمَّ أَنثَني
عَلى كَبدي مِن خَشيَةٍ أَن تَصَدَّعا
فَلَيسَت عَشيّاتِ الحِمى بِرَواجِعٍ
عَلَيكَ وَلَكِن خَلِّ عَينَيكَ تَدمَعا
مَعي كُلّ غِرَّقَد عَصى عاذِلاتِهِ
بِوَصلِ الغَواني مُذ لَدُن أَن تَرَعرَعا
إِذا راحَ يَمشي في الرِداءَينِ أَسرَعَت
إِلَيهِ العُيونُ الناظِرات التَطَلُّعا
وَسِربُ بَدَت لي فيهِ بيضٌ نَواهِد
إِذا سُمتُهُنَّ الوَصلَ أَمسَينَ قُطَّعا
مَشَينَ أَطَّرادَ السَيلِ هَوناً كَأَنَّما
تَراهَنَّ بِالأَقدامِ إِذا مِسنَ ظُلَّما
فَقُلتُ سَقى اللَهُ الحِمى دِيَمَ الحَيا
فَقُلنَ سَقاكَ اللَهُ بِالسُمّ مُنقَعا
وَقُلتُ عَلَيكُنَّ السَلامَ فَلا أَرى
لِنَفسِيَ مِن دونِ الحِمى اليَومَ مقنَعا
فَقُلنَ أَراكَ اللَه إِن كُنتَ كاذِباً
بَنانَكَ مِن يُمنى ذِراعَيكَ أَقطَعا
وَلَمّا رَأَيتَ البِشرَ أَعرَضَ دونَنا
وَجالَت بَناتُ الشَوقِ يَحنِنَّ نُزَّعا
تَلَفَّتُ نَحوَ الحَيِّ حَتّى وَجَدتُني
وَجِعتُ مِنَ الإِصغاءِ لَيتاً وَأَخدَعا
فَإِن كُنتُم تَرجَونَ أَن يَذهَب الهَوى
يَقينا وَنَروى بِالشَرابِ فَنَنقَعا
فَرُدّوا هُبوبَ الريحِ أَو غَيِّروا الجَوى
إِذا حَلَّ أَلواذ الحَشا فَتَمَنَّعا
أَمّا وَجَلالِ اللَه لَو تَذكُرينَني
كَذكريكِ ماكَفَفتُ لِلعَينِ أَدمُعا
فَقالَت بَلى وَاللَهِ ذِكرا لَو أَنَّهُ
يُصَبُّ عَلى الصَخرِ الأَصَمِّ تَصَدَّعا
فَما وَجدُ عُلوى الهَوى حَنَّ وَإِجتَوى
بِوادي الشَرى وَالغَورِ ماءً وَمَرتَعا
تَشَوَّقَ لِما عَضَّهُ القَيدُ وَإِجتَوى
مَراتعَه مِن بَينِ قُفِّ وَأَجرَعا
وَرامَ بِعَينَيهِ جِبالاً مُنيفَةً
وَما لايَرى فيهِ أَخو القَيد مَطمَعا
إِذا رامَ مِنها مَطلِعا رَدَّ شَأوَه
أَمينُ القِوى عَضَّ اليَدَينِ فَأَوجَعا
بِأَكبَرَ مَن وَجَد بِرَيّا وَجَدتُهُ
غَداةَ دَعا داعي الفِراقِ فَأَسمَعا
وَلا بَكرَة بِكر رَأَت مِن حُوارِها
مَجَرّاً حَديثاً مُستَبيناً وَمَصرَعا
إِذا رَجَّعت في آخِرِ اللَيلِ حَنَّةً
لِذِكر حَديثٍ أَبكَت البُزلَ أجمعا
لَقَد خفتُ أَن لاتَقنَعَ النَفسُ بَعدَهُ
بِشَيءٍ مِنَ الدُنيا وَإِن كُن مَقنَعا
أَعذُلُ فيهِ النَفسَ إِذا حيلَ دونَهُ
وَتَأبى إِلَيهِ النَفسُ إِلّا تَطَلَّعا
سَلامٌ عَلى الدُنيا فَما هِيَ راحَةً
إِذا لَم يَكُن شَملي وَشَملُكُم مَعا
وَلا مَرحَباً بِالرَبعِ لَستُم حُلولَه
ولَو كانَ مُخضَلَّ الجَوانِب مُمرِعا
فَماءٌ بِلا مَرعى وَمَرعى بِغَيرِ ما
وَحَيثُ أَرى ماءَ وَمَرعىً فَمَسبَعا
لَعَمري لَقَد نادى مُنادى فراقنا
بِتَشتيتِنا في كُلِّ وادٍ فَأَسمَعا
كَأَنّا خُلِقنا لِلنَوى وَكَأَنَّما
حَرامٌ عَلى الأَيامِ أَن نَتَجَمَّعا
الصمة القشيري