حكي: أن ثعلباً كان يسمى ظالماً وكان له جحر يأوي إليه وكان مسروراً به لا يبتغي عنه بدلا.
فخرج منه يوماً يبتغي ما يأكل ثم رجع فوجد فيه حية فانتظر خروجها لم تخرج وعلم انها قد توطنت فيه وأنه لا سبيل إلى السكون معها.
فذهب يبتغي لنفسه جحراً غيره فانتهى به النظر إلى جحر حسن الظاهر حصين الموضع في مكان خصيب ذي أشجار ملتفة وماء معين فأعجبه وسأل عنه فأخبر أنه لثعلب يسمى مفوضاً وأنه ورثه من أبيه فناداه ظالم فخرج إليه ورحب به وأدخله الجحر وسأله عما قصد له فقص عليه خبره وشكا إليه ما ناله فرق له مفوض ثم قال له إن من الهمة ان تقصر عن مطالبة عدوك وأن تستفرغ جهدك في ابتغاء دفعه فرب حيلة انفع من قبيلة والرأي عندي أن تنطلق معي إلى مأواك الذي انتزع منك غصباً حتى أطلع عليه فلعلي أهتدي إلى وجه الحيلة فيرجع إليك مسكنك فإن أصوب الرأي ما أُسس على الروّية.
فانطلقا معا إلى ذلك الجحر فتأمله مفوض وأدرك غرضه منه، ثم أقبل على ظالم فقال له قد شاهدت من مسكنك ما فتح لي باب الحيلة في خلاصه فقال له ظالم أطلعني على ما ظهر لك.
فقال مفوض إن أضعف الرأي ما رسخ في البديهة ولكن انطلق معي لتبيت عندي ليلتي هذه لأنظر رأيي فيما ظهر لي ففعلا وبات مفوض مفكراً في ذلك.
وجعل ظالم يتألم مسكن مفوض فرأى من سعته وطيب تربته وحصانته وكثرة مرافقه ما اشتد إعجابه به وحرصه عليه وشرع بتدبير الحيلة في غصبه وطرد مفوض منه.
فلما أصبحا قال مفوض لظالم إني رأيت ذلك الجحر بموضع بعيد من الشجر والماء فاصرف نفسك عنه وهلم أعنك على حفر مسكن قريب من جحري هذا فإن هذه الأرض خصبة متيسرة المرافق فقال له ظالم إن ذلك لا يمكنني لأن نفسي تهلك لبعد الوطن حنيناً ولا تملك لفقد المسكن سكوناً.
فلما سمع مفوض مقالة ظالم وما تظاهر به من الرغبة في وطنه قال له إني أرى أن نذهب يومنا هذا فنحتطب حطباً ونربط منه حزمتين فإذا أقبل الليل انطلقت أنا إلى بعض هذه الخيام فأتيت بقبس نار واحتملنا الحطب والقبس وقصدنا مسكنك فجعلنا الحزمتين على بابه وأضرمناهما ناراً فإن خرجت الحية احترقت وإن لزمت الجحر أهلكها الدخان.
فقال ظالم نعم الرأي هذا.
فانطلقا فاحتطبا وربطا من الحطب حزمتين بقدر ما يطيقان حمله ولما جاء الليل وأقبل أوقد أهل الخيام النار انطلق مفوض ليأخذ قبساً فعمد ظالم إلى إحدى الحزمتين فأزالها إلى موضع غيبها فيه، ثم جر الحزمة الأخرى إلى باب مسكن مفوض ودخله وجذبها إليه فأدخلها في الباب فسده بها وقدر في نفسه أن مفوضاً إذا أتى الجحر لم يمكنه الدخول إليه لحصانته ولأن بابه مسدود بالحطب سداً محكماً وأكثر ما يقدر عليه أن يحاصره فإذا يئس منه ذهب فنظر لنفسه مأوى آخر.
وقد كان ظالم رأى منزل مفوض أطعمة كثيرة ادخرها مفوض لنفسه فعول ظالم على الاقتيات منها في مدة الحصار وأذهله الشره والحرص على البغي عن فساد هذا الرأي وأنه متعرض لمثل ما عزم عليه أن يفعلاه بالحية.
ثم إن مفوضاً جاء بالقبس فلم يجد ظالماً ولا وجد الحطب فظن أن ظالماً قد احتمل الحزمتين معاً تخفيفاً منه وأنه ذهب بهما إلى الجحر الذي فيه الحية فظهر له من الرأي أن يترك النار ويسرع في المشي ليدركه ويساعده في حمل الحطب فألقى النار من يده ثم خشي أن يطفئها الريح فيحتاج إلى نار أخرى فأدخلها في باب الجحر ليسترها من الريح فأصابت الحطب فأضرمته ناراً واحترق ظالم في الجحر وحاق به مكره.
فلما اطلع مفوض على أمر ظالم قال ما رأيت كالبغي سلاحاً أكثر عمله في محتمله.
ثم صبر حتى طفئت النار ودخل في جحره واستخرج جيفة ظالم فألقاها واستقرّ في مأواه وفوض أمره إلى مولاه.