أَمِــنَ الْمَنُـونِ وَرَيْبِهـا تَتَوَجَّـعُ

( أبو ذُؤَيب الهذلي )

أَمِــنَ الْمَنُـونِ وَرَيْبِهـا تَتَوَجَّـعُ
وَالـدَّهْرُ لَيْـسَ بِمُعْتِـبٍ مَـنْ يَجْزَعُ
قَـالَتْ أُمَيْمَـةُ مـا لِجِسْمِكَ شَاحِباً
مُنْـذُ ابْتَـذَلْتَ وَمِثْـلُ مالِكَ يَنْفَعُ
أَمْ مَــا لِجَنْبِـكَ لَا يُلائِمُ مَضـْجَعاً
إِلَّا أَقَــضَّ عَلَيْــكَ ذَاكَ الْمَضــْجَعُ
فَأَجَبْتُهــا أَنْ مَـا لِجِسـْمِيَ أَنَّـهُ
أَوْدَى بَنِــيَّ مِـنَ الْبِلَادِ فَوَدَّعُـوا
أَوْدَى بَنِـــيَّ وَأَعْقَبُــوني غُصــَّةً
بَعْــدَ الرُّقـادِ وَعَبْـرَةً لَا تُقْلِـعُ
وَلَقَــدْ أرى أنَّ الْبُكَـاءَ سـَفَاهَةٌ
وَلَسـَوْفَ يُولَـعُ بِـالْبُكَى مَنْ يُفْجَعُ
سـَبَقُوا هَـوَىَّ وَأَعْنَقُـوا لِهَـواهُمُ
فَتُخُرِّمُــوا وَلِكُــلِّ جَنْــبٍ مَصـْرَعُ
فَغَبَــرْتُ بَعْــدَهُمُ بِعَيْــشٍ ناصـِبٍ
وَإِخــالُ أَنِّــي لَاحِــقٌ مُســْتَتْبَعُ
وَلَقَـدْ حَرَصـْتُ بِـأَنْ أُدَافِـعَ عَنْهُمُ
فَـإِذَا الْمَنِيِّـةُ أَقْبَلَـتْ لَا تُـدْفَعُ
وَإِذَا الْمَنِيَّـةُ أَنْشـَبَتْ أَظْفَارَهـا
أَلْفَيْــتَ كُــلَّ تَمِيمَــةٍ لَا تَنْفَـعُ
فَــالْعَيْنُ بَعْـدَهُمُ كَـأَنَّ حِـدَاقَها
ســُمِلَتْ بشـَوْكٍ فَهْـيَ عُـورٌ تَـدْمَعُ
حَتَّــى كَــأَنِّي لِلْحَــوَادِثِ مَـرْوَةٌ
بِصـَفَا الْمُشـَرَّقِ كُـلَّ يَـوْمٍ تُقْـرَعُ
لَا بُـدَّ مِـنْ تَلَـفٍ مُقِيـمٍ فَـانْتَظِرْ
أَبِـأَرْضِ قَوْمِـكَ أَمْ بِأُخْرَى الْمَصْرَعُ
وَليَــأْتِيَنَّ عَلَيْــكَ يَــوْمٌ مَــرَّةً
يُبْكَــى عَلَيْــكَ مُقَنَّعـاً لَا تَسـْمَعُ
وَتَجَلُّـــدِي لِلشــَّامِتِينَ أُرِيهِــمُ
أَنِّــي لِرَيْـبِ الـدَّهْرِ لَا أَتَضَعْضـَعُ
وَالنَّفْــسُ رَاغِبَــةٌ إِذَا رَغَّبْتَهـا
فَــإِذَا تُـرَدُّ إِلَـى قَلِيـلٍ تَقْنَـعُ
كَمْ مِنْ جَمِيعِ الشَّمْلِ مُلْتَئِمِ الْهَوَى
بَــاتُوا بِعَيْـشٍ نَـاعِمٍ فَتَصـَدَّعُوا
فَلَئِنْ بِهِـمْ فَجَـعَ الزَّمَـانُ وَرَيْبُهُ
إِنِّــي بِأَهْــلِ مَــوَدَّتِي لَمُفَجَّــعُ
وَالـدَّهْرُ لَا يَبْقَـى عَلَـى حَـدَثانِهِ
فــي رَأْسِ شــَاهِقَةٍ أَعَــزُّ مُمَنَّـعُ
وَالـدَّهْرُ لَا يَبْقَـى عَلَـى حَـدَثانِهِ
جَـوْنُ السـَّرَاةِ لَـهُ جَـدَائِدُ أَرْبَعُ
صــَخِبُ الشـَّوَارِبِ لَا يَـزَالُ كَـأَنَّهُ
عَبْــدٌ لِآلِ أَبِــي رَبِيعَــةَ مُسـْبَعُ
أَكَــلَ الْجَمِيـمَ وَطَـاوَعَتْهُ سـَمْحَجٌ
مِثْـلُ الْقَنَـاةِ وَأَزْعَلَتْـهُ الْأَمْـرُعُ
بِقَــرَارِ قِيعَــانٍ سـَقَاهَا وَابِـلٌ
وَاهٍ فَـــأَثْجَمَ بُرْهَــةً لَا يُقْلِــعُ
فَلَبِثْــنَ حِينـاً يَعْتَلِجْـنَ بِرَوْضـَةٍ
فَيَجِـدُّ حِينـاً فِـي الْعِلَاجِ وَيَشـْمَعُ
حَتَّــى إِذَا جَـزَرَتْ مِيـاهُ رُزُونِـهِ
وَبِـــأَيِّ حِيـــنِ مِلَاوَةٍ تَتَقَطَّـــعُ
ذَكَـرَ الْـوُرُودَ بِهـا وَشَاقَى أَمْرَهُ
شــُؤْماً وَأَقْبَــلَ حَيْنُــهُ يَتَتَبَّـعُ
فَــافْتَنَّهُنَّ مِـنَ السـَّوَاءِ وَمَـاؤُهُ
بَثْــرٌ وَعَانَــدَهُ طَرِيــقٌ مَهْيَــعُ
فَكَأَنَّهــا بِـالْجِزْعِ بَيْـنَ يُنَـابِعٍ
وَأُلَاتِ ذِي الْعَرْجَــاءِ نَهْـبٌ مُجْمَـعُ
وَكَــــأَنَّهُنَّ رَبابَـــةٌ وَكَـــأَنَّهُ
يَسـَرٌ يُفِيـضُ عَلَـى الْقِدَاحِ وَيَصْدَعُ
وَكَأَنَّمــا هُــوَ مِــدْوَسٌ مُتَقَلِّــبٌ
فــي الْكَـفِّ إِلَّا أَنَّـهُ هُـوَ أَضـْلَعُ
فَوَرَدْنَ وَالْعَيُّوقُ مَقْعَدَ رابِئِ الضْـ
ــضُرَباءِ فَـوْقَ النَّظْـمِ لَا يَتَتَلَّـعُ
فَشـَرَعْنَ فـي حَجَـرَاتِ عَـذْبٍ بـارِدٍ
حَصـِبِ الْبِطَـاحِ تَغِيـبُ فِيهِ الْأَكْرُعُ
فَشــَرِبْنَ ثُـمَّ سـَمِعْنَ حِسـّاً دُونَـهُ
شـَرَفُ الْحِجَـابِ وَرَيْـبَ قَـرْعٍ يُقْرَعُ
وَنَمِيمَــةً مِــنْ قَــانِصٍ مُتَلَبِّــبٍ
فِــي كَفِّــهِ جَشــْءٌ أَجَـشُّ وَأَقْطُـعُ
فَنَكِرْنَــهُ فَنَفَـرْنَ وَامْتَرَسـَتْ بِـهِ
ســَطْعاءُ هَادِيَــةٌ وَهَــادٍ جُرْشـُعُ
فَرَمَـى فَأَنْفَـذَ مِـنْ نَحُـوصٍ عـائِطٍ
ســَهْماً فَخَــرَّ وَرِيشــُهُ مُتَصــَمِّعُ
فَبَـدا لَـهُ أَقْـرَابُ هَـذا رَائِغـاً
عَجِلاً فَعَيَّـثَ فـي الْكِنَانَـةِ يُرْجِـعُ
فَرَمَــى فَـأَلْحَقَ صـَاعِدِيّاً مِطْحَـراً
بِالْكَشـْحِ فَاشـْتَمَلَتْ عَلَيْـهِ الْأَضْلُعُ
فَأَبَـــدَّهُنَّ حُتُـــوفَهُنَّ فَهَـــارِبٌ
بِـــذَمَائِهِ أَوْ بــارِكٌ مُتَجَعْجِــعُ
يَعْثُـرْنَ فِـي حَـدِّ الظُّبَـاتِ كَأَنَّما
كُسـِيَتْ بُـرُودَ بَنِـي تَزِيـدَ الْأَذْرُعُ
وَالـدَّهْرُ لَا يَبْقَـى عَلَـى حَـدَثانِهِ
شـــَبَبٌ أَفَزَّتْـــهُ الْكِلابُ مُــرَوَّعُ
شــَعَفَ الْكِلابُ الضـَّارِياتُ فُـؤَادَهُ
فَـإِذَا يَـرَى الصُّبْحَ الْمُصَدَّقَ يَفْزَعُ
وَيَعُــوذُ بِـالْأَرْطَى إِذا مـا شـَفَّهُ
قَطْــرٌ وَرَاحَتْــهُ بَلِيــلٌ زَعْــزَعُ
يَرْمِـي بِعَيْنَيْـهِ الْغُيُـوبَ وَطَرْفُـهُ
مُغْــضٍ يُصــَدِّقُ طَرْفُـهُ مـا يَسـْمَعُ
فَغَــدَا يُشـَرِّقُ مَتْنَـهُ فَبَـدَا لَـهُ
أُولَــى سـَوَابِقَها قَرِيبـاً تُـوزَعُ
فَاهْتَـاجَ مِـنْ فَـزَعٍ وَسـَدَّ فُرُوجَـهُ
غُبْــرٌ ضــَوَارٍ وَافِيَــانِ وَأَجْـدَعُ
يَنْهَشـــْنَهُ وَيَـــذُبُّهُنَّ وَيَحْتَمِــي
عَبْــلُ الشـَّوَى بِـالطُّرَّتَيْنِ مُوَلَّـعُ
فَنَحَــا لَهــا بِمُـذَلَّقَيْنِ كَأَنَّمـا
بِهِمـا مِـنَ النَّضـْحِ الْمُجَدَّحِ أَيْدَعُ
فَكَــأَنَّ ســَفُّودَيْنِ لَمَّــا يُقْتَـرا
عَجِلا لَــهُ بِشــَوَاءِ شــَرْبٍ يُنْـزَعُ
فَصــَرَعْنَهُ تَحْـتَ الْغُبـارِ وَجَنْبُـهُ
مُتَتَـــرِّبٌ وَلِكُــلِّ جَنْــبٍ مَصــْرَعُ
حَتَّـى إِذا ارْتَـدَّتْ وَأَقْصـَدَ عُصـْبَةً
مِنْهــا وَقَــامَ شـَرِيدُها يَتَضـَرَّعُ
فَبَـــدا لَــهُ رَبُّ الْكِلَابِ بِكَفِّــهِ
بِيـــضٌ رِهَــافٌ رِيشــُهُنَّ مُقَــزَّعُ
فَرَمَـى لِيُنْقِـذَ فَرَّهـا فَهَـوَى لَـهُ
ســَهْمٌ فَأَنْفَــذَ طُرَّتَيْـهِ الْمِنْـزَعُ
فَكَبَـا كَمَـا يَكْبُـو فِنِيـقٌ تَـارِزٌ
بِــالْخُبْتِ إِلَّا أَنَّــهُ هُــوَ أَبْـرَعُ
وَالـدَّهْرُ لا يَبْقَـى عَلَـى حَـدَثانِهِ
مُسْتَشــْعِرٌ حَلَــقَ الحَدِيـدِ مُقَنَّـعُ
حَمِيَـتْ عَلَيْـهِ الـدِّرْعُ حَتَّـى وَجْهُهُ
مِـنْ حَرِّهـا يَـوْمَ الْكَرِيهَـةِ أَسْفَعُ
تَعْـدُو بِـهِ خَوْصـَاءُ يَفْصـِمُ جَرْيُها
حَلَـقَ الرِّحَالَـةِ فَهْـيَ رِخْـوٌ تَمْزَعُ
قَصـَرَ الصـَّبُوحَ لَهـا فَشَرَّجَ لَحْمَها
بِـالنَّيِّ فَهْـيَ تَثُـوخُ فِيها الْإِصْبَعُ
مُتَفَلِّــقٌ أَنْســَاؤُها عَــنْ قَـانِئٍ
كَــالْقُرْطِ صــَاوٍ غُبْـرُهُ لَا يُرْضـَعُ
تَـأْبَى بِـدِرَّتِها إِذَا مَا اسْتُكْرِهَتْ
إِلَّا الْحَمِيـــمَ فَـــإِنَّهُ يَتَبَضــَّعُ
بَيْنَـا تَعَـانُقِهِ الْكُمَـاةَ وَرَوْغِـهِ
يَوْمــاً أُتِيـحَ لَـهُ جَرِيـءٌ سـَلْفَعُ
يَعْـدُو بِـهِ نَهِـشُ الْمُشـَاشِ كَـأَنَّهُ
صــَدَعٌ ســَلِيمٌ رَجْعُــهُ لَا يَظْلَــعُ
فَتَنَادَيَــا وَتَــوَاقَفَتْ خَيْلاهُمــا
وَكِلَاهُمَــا بَطَــلُ اللِّقَـاءِ مُخَـدَّعُ
يَتَنَاهَبَــانِ الْمَجْــدَ كُـلٌّ واثِـقٌ
بِبَلَائِهِ وَالْيَـــوْمُ يَــوْمٌ أَشــْنَعُ
وَعَلَيْهِمــا مَســْرُودَتَانِ قَضـَاهُما
دَاودُ أَوْ صــَنَعُ الســَّوَابِغِ تُبَّـعُ
وَكِلَاهُمـــا فــي كَفِّــهِ يَزَنِيَّــةٌ
فِيهَــا سـِنَانٌ كَالْمَنَـارَةِ أَصـْلَعُ
وَكِلَاهُمـــا مُتَوَشـــِّحٌ ذَا رَوْنَــقٍ
عَضـْباً إِذا مَـسَّ الضـَّرِيبَةَ يَقْطَـعُ
فَتَخَالَســَا نَفْســَيْهِما بِنَوَافِــذٍ
كَنَوَافِـذِ الْعُبُـطِ الَّتِـي لَا تُرْقَـعُ
وَكِلَاهُمـا قَـدْ عَـاشَ عِيشـَةَ مَاجِـدٍ
وَجَنَـى الْعَلَاءَ لَـوْ أَنَّ شَيْئاً يَنْفَعُ

قصائد رثاء
Comments (0)
Add Comment