من الشعر والأدب العربي

سَقى عَهدَ الحِمى سَبَلُ العِهادِ

أَبو تَمَّام

سَقى عَهدَ الحِمى سَبَلُ العِهادِ
وَرَوَّضَ حاضِرٌ مِنهُ وَبادِ
نَزَحتُ بِهِ رَكِيَّ العَينِ لَمّا
رَأَيتُ الدَمعَ مِن خَيرِ العَتادِ
فَيا حُسنَ الرُسومِ وَما تَمَشّى
إِلَيها الدَهرُ في صُوَرِ البُعادِ
وَإِذ طَيرُ الحَوادِثِ في رُباها
سَواكِنُ وَهيَ غَنّاءُ المَرادِ
مَذاكي حَلبَةٍ وَشُروبُ دَجنٍ
وَسامِرُ فِتيَةٍ وَقُدورُ صادِ
وَأَعيُنُ رَبرَبٍ كُحِلَت بِسِحرٍ
وَأَجسادٌ تُضَمَّخُ بِالجَسادِ
بِزُهرٍ وَالحُذاقِ وَآلِ بُردٍ
وَرَت في كُلِّ صالِحَةٍ زِنادي
وَإِن يَكُ مِن بَني أُدَدٍ جَناحي
فَإِنَّ أَثيثَ ريشي مِن إِيادِ
غَدَوتُ بِهِم أَمَدَّ ذَوِيَّ ظِلّاً
وَأَكثَرَ مَن وَرائي ماءَ وادِ
هُمُ عُظمى الأَثافي مِن نِزارٍ
وَأَهلُ الهَضبِ مِنها وَالنِجادِ
مُعَرَّسُ كُلِّ مُعضِلَةٍ وَخَطبٍ
وَمَنبِتُ كُلِّ مَكرُمَةٍ وَآدِ
إِذا حُدُثُ القَبائِلِ ساجَلوهُم
فَإِنَّهُمُ بَنو الدَهرِ التِلادِ
تُفَرَّجُ عَنهُمُ الغَمَراتُ بيضٌ
جِلادٌ تَحتَ قَسطَلَةِ الجِلادِ
وَحَشوُ حَوادِثِ الأَيّامِ مِنهُم
مَعاقِلُ مُطرَدٍ وَبَنو طِرادِ
لَهُم جَهلُ السِباعِ إِذا المَنايا
تَمَشَّت في القَنا وَحُلومُ عادِ
لَقَد أَنسَت مَساوِئَ كُلِّ دَهرٍ
مَحاسِنُ أَحمَدَ بنِ أَبي دُوادِ
مَتى تَحلُل بِهِ تَحلُل جَناباً
رَضيعاً لِلسَواري وَالغَوادي
تُرَشَّحُ نِعمَةُ الأَيّامِ فيهِ
وَتُقسَمُ فيهِ أَرزاقُ العِبادِ
وَما اِشتَبَهَت طَريقُ المَجدِ إِلّا
هَداكَ لِقِبلَةِ المَعروفِ هادِ
وَما سافَرتُ في الآفاقِ إِلّا
وَمِن جَدواكَ راحِلَتي وَزادي
مُقيمُ الظَنِّ عِندَكَ وَالأَماني
وَإِن قَلِقَت رِكابي في البِلادِ
مَعادُ البَعثِ مَعروفٌ وَلَكِن
نَدى كَفَّيكَ في الدُنيا مَعادي
أَتاني عائِرُ الأَنباءِ تَسري
عَقارِبُهُ بِداهِيَةٍ نَآدِ
نَثا خَبَرٌ كَأَنَّ القَلبَ أَمسى
يُجَرُّ بِهِ عَلى شَوكِ القَتادِ
كَأَنَّ الشَمسَ جَلَّلَها كُسوفٌ
أَوِ اِستَتَرَت بِرِجلٍ مِن جَرادِ
بِأَنّي نِلتُ مِن مُضَرٍ وَخَبَّت
إِلَيكَ شَكِيَّتي خَبَبَ الجَوادِ
وَما رَبعُ القَطيعَةِ لي بِرَبعٍ
وَلا نادي الأَذى مِنّي بِنادِ
وَأَينَ يَجورُ عَن قَصدٍ لِساني
وَقَلبي رائِحٌ بِرِضاكَ غادِ
وَمِمّا كانَتِ الحُكَماءُ قالَت
لِسانُ المَرءِ مِن خَدَمِ الفُؤادِ
فَقُد ما كُنتُ مَعسولَ الأَماني
وَمَأدومَ القَوافي بِالسَدادِ
لَقَد جازَيتُ بِالإِحسانِ سوءاً
إِذاً وَصَبَغتُ عُرفَكَ بِالسَوادِ
وَسِرتُ أَسوقُ عيرَ اللُؤمِ حَتّى
أَنَختُ الكُفرَ في دارِ الجِهادِ
فَكَيفَ وَعَتبُ يَومٍ مِنكَ فَذٍّ
أَشَدُّ عَلَيَّ مِن حَربِ الفَسادِ
وَلَيسَت رَغوَتي مِن فَوقِ مَذقٍ
وَلا جَمري كَمينٌ في الرَمادِ
وَكانَ الشُكرُ لِلكُرَماءِ خَصلاً
وَمَيداناً كَمَيدانِ الجِيادِ
عَلَيهِ عُقِّدَت عُقَدي وَلاحَت
مَواسِمُهُ عَلى شِيَمي وَعادي
وَغَيري يَأكُلُ المَعروفَ سُحتاً
وَتَشحُبُ عِندَهُ بيضُ الأَيادي
تَثَبَّت إِنَّ قَولاً كانَ زوراً
أَتى النُعمانَ قَبلَكَ عَن زِيادِ
وَأَرَّثَ بَينَ حَيِّ بَني جُلاحٍ
سَنا حَربٍ وَحَيِّ بَني مَصادِ
وَغادَرَ في صُروفِ الدَهرِ قَتلي
بَني بَدرٍ عَلى ذاتِ الإِصادِ
فَما قِدحاكَ لِلباري وَلَيسَت
مُتونُ صَفاكَ مِن نُهَزِ المُرادي
وَلَو كَشَّفتَني لَبَلَوتَ خَرقاً
يُصافي الأَكرَمينَ وَلا يُصادي
جَديراً أَن يَكُرَّ الطَرفَ شَزراً
إِلى بَعضِ المَوارِدِ وَهُوَ صادي
إِلَيكَ بَعَثتُ أَبكارَ المَعاني
يَليها سائِقٌ عَجِلٌ وَحادي
جَوائِرَ عَن ذَنابى القَومِ حَيرى
هَوادِيَ لِلجَماجِمِ وَالهَوادي
شِدادَ الأَسرِ سالِمَةَ النَواحي
مِنَ الإِقواءِ فيها وَالسِنادِ
يُذَلِّلُّها بِذِكرِكَ قَرنُ فِكرٍ
إِذا حَزَنَت فَتَسلَسُ في القِيادِ
لَها في الهاجِسِ القَدحُ المُعَلّى
وَفي نَظمِ القَوافي وَالعِمادِ
مُنَزَّهَةٌ عَنِ السَرَقِ المُوَرّى
مُكَرَّمَةً عَنِ المَعنى المُعادِ
تَنَصَّلَ رَبُّها مِن غَيرِ جُرمٍ
إِلَيكَ سِوى النَصيحَةِ وَالوِدادِ
وَمَن يَأذَن إِلى الواشينَ تُسلَق
مَسامِعُهُ بِأَلسِنَةٍ حِدادِ


لـ أَبو تَمَّام

قد يعجبك ايضا
اترك رد

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد