يَومَ الفِراقِ لَقَد خُلِقتَ طَويلا
أَبو تَمَّام –
يَومَ الفِراقِ لَقَد خُلِقتَ طَويلا
لَم تُبقِ لي جَلداً وَلا مَعقولا
لَو حارَ مُرتادُ المَنِيَّةِ لَم يُرِد
إِلّا الفِراقَ عَلى النُفوسِ دَليلا
قالوا الرَحيلُ فَما شَكَكتُ بِأَنَّها
نَفسي عَنِ الدُنيا تُريدُ رَحيلا
الصَبرُ أَجمَلُ غَيرَ أَن تَلَدُّداً
في الحُبِّ أَحرى أَن يَكونَ جَميلا
أَتَظُنُّني أَجِدُ السَبيلَ إِلى العَزا
وَجَدَ الحِمامُ إِذاً إِلَيَّ سَبيلا
رَدُّ الجَموحِ الصَعبِ أَسهَلُ مَطلَباً
مِن رَدِّ دَمعٍ قَد أَصابَ مَسيلا
ذَكَرَتكُمُ الأَنواءُ ذِكرِيَ بَعضَكُم
فَبَكَت عَلَيكُم بُكرَةً وَأَصيلا
وَبِنَفسِيَ القَمَرُ الَّذي بِمُحَجَّرٍ
أَمسى مَصوناً لِلنَوى مَبذولا
إِنّي تَأَمَّلتُ النَوى فَوَجَدتُها
سَيفاً عَلَيَّ مَعَ الهَوى مَسلولا
لا تَأخُذيني بِالزَمانِ فَلَيسَ لي
تَبَعاً وَلَستُ عَلى الزَمانِ كَفيلا
مَن زاحَفَ الأَيّامَ ثُمَّ عَبا لَها
غَيرَ القَناعَةِ لَم يَزَل مَفلولا
مَن كانَ مَرعى عَزمِهِ وَهُمومِهِ
رَوضُ الأَماني لَم يَزَل مَهزولا
لَو جازَ سُلطانُ القُنوعِ وَحُكمُهُ
في الخَلقِ ما كانَ القَليلُ قَليلا
الرِزقُ لا تَكمَد عَلَيهِ فَإِنَّهُ
يَأتي وَلَم تَبعَث إِلَيهِ رَسولا
لِلَّهِ دَرُّكِ أَيُّ مَعبَرِ قَفرَةٍ
لا يوحِشُ اِبنَ البَيضَةِ الإِجفيلا
بِنتُ الفَضاءِ مَتى تَخِد بِكَ لا تَدَع
في الصَدرِ مِنكَ عَلى الفَلاةِ غَليلا
أَوَ ما تَراها ما تَراها هِزَّةً
تَشأى العُيونَ تَعَجرُفاً وَذَميلا
لَو كانَ كَلَّفَها عُبَيدٌ حاجَةً
يَوماً لَأُنسِيَ شَدقَماً وَجَديلا
بِالسَكسَكِيِّ الماتِعِيِّ تَمَتَّعَت
هِمَمٌ ثَنَت طَرفَ الزَمانِ كَليلا
لا تَدعُوَن نوحَ بنَ عَمرٍو دَعوَةً
لِلخَطبِ إِلّا أَن يَكونَ جَليلا
يَقِظٌ إِذا ما المُشكِلاتُ عَرَونَهُ
أَلفَينَهُ المُتَبَسِّمَ البُهلولا
ما زالَ يُبرِمُهُنَّ حَتّى إِنَّهُ
لَيُقالُ ما خَلَقَ الإِلَهُ سَحيلا
ثَبتُ المَقامِ يَرى القَبيلَةَ واحِداً
وَيُرى فَيَحسَبُهُ القَبيلُ قَبيلا
كَم وَقعَةٍ لَكَ في المَكارِمِ فَخمَةٍ
غادَرتَ فيها ما مَلَكتَ قَتيلا
أَوطَأتَ أَرضَ البُخلِ فيها غارَةً
تَرَكَت حُزونَ الحادِثاتِ سُهولا
فَرَأَيتَ أَكثَرَ ما حَبَوتَ مِنَ اللُهى
نَزراً وَأَصغَرَ ما شُكِرتَ جَزيلا
لَم يَتَّرِك في المَجدِ مَن جَعَلَ النَدى
في مالِهِ لِلمُعتَفينَ وَكيلا
أَوَلَيسَ عَمرٌو بَثَّ في الناسِ النَدى
حَتّى اِشتَهَينا أَن نُصيبَ بَخيلا
أُشدُد يَدَيكَ بِحَبلِ نوحٍ مُعصِماً
تَلقاهُ حَبلاً بِالنَدى مَوصولا
ذاكَ الَّذي إِن كانَ خِلَّكَ لَم تَقُل
يا لَيتَني لَم أَتَّخِذهُ خَليلا