ترى الرجل النحيفَ فتَزْدَرِيه
دخل كثير على عبد الملك بن مروان في أول خلافته ، فقال : أنت كثير ؟ فقال : نعم ، فاقتحمه ، وقال : تَسْمَع بالمعَيْدي لا أنْ تَراه ؛ فقال : يا أميرَ المؤمنين ، كلّ إنسان عند محلّه رَحْبُ الفِناء ، شامخُ البناء ، عَالي السناء ، وأنشد يقول : الوافر :
ترى الرجل النحيفَ فتَزْدَرِيه
. . . وفي أثوابه أسَد هَصُورُ
وَيُعْجِبُك الطَّرِيرُ إذا تراهُ
. . . فيُخْلِفَ ظنك الرجلُ الطريرُ
بُغَاثُ الطير أطولها رِقاباً
. . . ولم تَطُلِ البُزاة ولا الصقور
خَشاشُ الطيرِ أكثرُها فِراخاً
. . . وأم الباز مِقْلاَة نَزُورُ
ضِعافُ الأُسْدِ أكثرُها زئيراً
. . . وأصْرَمُها اللَواتي لا تَزيرُ
وقد عَظُمَ البعيرُ بغير لُب
. . . فلم يستَغْنِ بالعِظَم البعيرُ
يُنَوَّخُ ثم يُضْرَبُ بالهَراوَى
. . . فلا عُرْف لديه ولا نكيرُ
يُقَوِّدُه الصبيُ بكلِّ أرْضٍ
. . . ويصْرَعُه على الْجَنْبِ الصغير
فما عِظَمُ الرجال لهم بزَيْنٍ
. . . ولكنْ زَيْنهُمْ حَسَبٌ وخِيرُ
فقال : قاتله اللّه ما أطْوَلَ لسانَه ، وأمدّ عِنَانه ، وأَوْسع جَنانه ؛ إني لأحسبه كما وصف نفسه .