من الشعر والأدب العربي

أنا النذير العريان

قال ابن الكلبي: من حديث النذير العريان أن أبا داود الشاعر كان جارا للمنذر ابن ماء السماء، وأن أبا داود نازع رجلا بالحيرة من بهراء يقال له رقبة بن عامر، فقال له رقبة: صالحني وحالفني، قال أبو داود: فمن أين تعيش أبا داود؟ فوالله لولا ما تصيب من بهراء لهلكت، ثم افترقا على تلك الحالة، وإن أبا داود أخرج بنين له ثلاثة في تجارة إلى الشام، فبلغ ذلك رقبة، فبعث إلى قومه فأخبرهم بما قال له أبو داود عند المنذر، وأخبرهم أن القوم ولد أبي داود، فخرجوا إلى الشام فقتلوهم وبعثوا برءوسهم إلى رقبة، فلما أتته الرءوس صنع طعاما كثيرا، ثم أتى المنذر فقال له: قد اصطنعت لك طعاما فأنا أحب أن تتغدى، فأتاه المنذر وأبو داود معه، فبينا الجفان ترفع وتوضع إذ جاءت جفنة عليها أحد رؤس بني أبي داود، فقال أبو داود: أبيت اللعن إني جارك وقد ترى ما صنع بي، وكان رقبة جارا للمنذر، قال فوقع المنذر منهما في سوأة، وأمر برقبة فحبس، وقال لأبي داود: ما يرضيك؟ قال: أن تبعث بكتيبتيك الشهباء والدوسر إليهم، فقال له المنذر: قد فعلت، فوجه إليهم الكتيبتين، قال: فلما رأى ذلك رقبة من صنع المنذر قال لامرأته: الحقي بقومك فأنذريهم، فعمدت إلى بعض إبل البهراني فركبته ثم خرجت حتى أتت قومها فعرفت، ثم قالت: أنا النذير العريان، فأرسلتها مثلا، وعرف القوم ما تريد، فصعدوا إلى علياء الشام، وأفبلت الكتيبتان فلم تصيبا منهم أحدا، فقال المنذر لأبي داود: قد رأيت ما كان منهم، أفيسكتك عني أن أعطيك بكل رأس مائتي بعير؟ قال: نعم، فأعطاه ذلك، وفيه يقول قيس بن زهير العبسي:

سأفعل ما بدا لي ثم آوي
… إلى جار كجار أبي داود

وقال غيره: إنما قالوا “النذير العريان” لأن الرجل إذا رأى الغارة قد فجأتهم وأراد إنذار قومه تجرد من ثيابه وأشار بها ليعلم أنه قد فجأهم أمر، ثم صار مثلا لكل أمر تخاف مفاجأته، ولكل أمر لا شبهة فيه.

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد